اللغة
أصل العصر عصر الثوب و نحوه و هو فتله لإخراج مائه و منه عصر الدهر فإنه
الوقت الذي يمكن فيه فتل الأمور كما يفتل الثوب و العصر العشي قال:
يروح بنا عمرو و قد قصر العصر وفي الروحة الأولى الغنيمة و الأجر
و العصران الغداة و العشي و العصران الليل و النهار قال:
ولن يلبث العصران يوم و ليلة إذا طلبا أن يدركا ما تيمما
الإعراب
أراد بالإنسان الجمع دون المفرد بدلالة أنه استثنى منه الذين آمنوا و روى
بعضهم عن أبي عمرو «و تواصوا بالصبر» على لغة من قال مررت ببكر.
المعنى
«و العصر» أقسم سبحانه بالدهر لأن فيه عبرة لذوي الأبصار من جهة مرور
الليل و النهار على تقدير الأدوار و هو قول ابن عباس و الكلبي و الجبائي و
قيل هو وقت العشي عن الحسن و قتادة فعلى هذا أقسم سبحانه بالطرف الأخير
من النهار لما في ذلك من الدلالة على وحدانية الله تعالى بإدبار النهار و
إقبال الليل و ذهاب سلطان الشمس كما أقسم بالضحى و هو الطرف الأول من
النهار لما فيه من حدوث سلطان الشمس و إقبال النهار و أهل الملتين يعظمون
هذين الوقتين و قيل أقسم بصلاة العصر و هي الصلاة الوسطى عن مقاتل و قيل
هو الليل و النهار و يقال لهما العصران عن ابن كيسان «إن الإنسان لفي خسر»
هذا جواب القسم و الإنسان اسم الجنس و المعنى أنه لفي نقصان لأنه ينقص
عمره كل يوم و هو رأس ماله فإذا ذهب رأس ماله و لم يكتسب به الطاعة يكون
على نقصان طول دهره و خسران إذ لا خسران أعظم من استحقاق العقاب الدائم و
قيل لفي خسر أي في هلكة عن الأخفش «إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات»
استثنى من جملة الناس المؤمنين المصدقين بتوحيد الله العاملين بطاعة الله
«و تواصوا بالحق» أي وصى بعضهم بعضا باتباع الحق و اجتناب الباطل و قيل
الحق القرآن عن الحسن و قتادة و قيل هو الإيمان و التوحيد عن مقاتل و قيل
هو أن يقولوا عند الموت لمخلفيهم لا تموتن إلا و أنتم مسلمون «و تواصوا
بالصبر» أي وصى بعضهم بعضا بالصبر على تحمل المشاق في طاعة الله عن الحسن و
قتادة و بالصبر عن معاصي الله أي فإن هؤلاء ليسوا في خسر بل هم في أعظم
ربح و زيادة يربحون الثواب باكتساب الطاعات و إنفاق العمر فيها فكان رأس
مالهم باق كما أن التاجر إذا خرج رأس المال من يده و ربح عليه لم يعد ذلك
ذهابا و قيل «لفي خسر» معناه لفي عقوبة و غبن من فوت أمهله و منزله في
الجنة و قيل المراد بالإنسان الكافر خاصة و هو أبو جهل و الوليد بن
المغيرة و في هذه السورة أعظم دلالة على إعجاز القرآن أ لا ترى أنها مع
قلة حروفها تدل على جميع ما يحتاج الناس إليه في الدين علما و عملا و في
وجوب التواصي بالحق و الصبر إشارة إلى الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و
الدعاء إلى التوحيد و العدل و أداء الواجبات و الاجتناب عن المقبحات و
قيل أن في قراءة ابن مسعود و العصر إن الإنسان لفي خسر و أنه فيه إلى آخر
الدهر و روي ذلك عن علي (عليه السلام).
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق